بعد انسحاب الإمارات .. السعودية أمام تحد بتعريف دورها في اليمن
التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن لم يعد كما كان، و انسحاب الإمارات بعد قطر يعكس تآكل بنيته السيا...
منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في مارس 2015، تشكّل تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية كإطار عسكري وسياسي لمواجهة انقلاب الحوثيين واستعادة الدولة اليمنية. غير أن هذا التحالف، الذي ضم الإمارات ودولًا عربية أخرى، بدأ يتعرض لتصدعات متتالية نتيجة تضارب المصالح وتباين الأهداف، حتى بلغ اليوم مرحلة الانهيار الفعلي. في هذا السياق، يبرز الجنوب والمجلس الانتقالي الجنوبي كفاعل محوري يعيد صياغة التوازنات، مدفوعًا برؤية وطنية تسعى لاستعادة الدولة الجنوبية وتحقيق الاستقرار في الإقليم.
أولًا: جذور الانقسام داخل التحالف :
تباين الأهداف الاستراتيجية :
لم يكن لتحالف دعم الشرعية رؤية موحدة منذ البداية. فبينما ركزت السعودية على دعم حكومة معترف بها دوليًا، لكنها تعيش في الفنادق وليس لها سيطرة على أرض الواقع، سعت الإمارات إلى دعم قوى محلية فاعلة على الأرض، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يمثل تطلعات شعب الجنوب في استعادة دولته. هذا التباين خلق فجوة استراتيجية بين الطرفين، انعكست على الأداء الميداني والسياسي.
إخفاقات الشمال مقابل نجاحات الجنوب :
في الوقت الذي فشلت فيه قوات الشرعية المدعومة من السعودية في تحقيق أي تقدم حقيقي في جبهات الشمال، استطاع المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم إماراتي، أن يحقق إنجازات ملموسة في مكافحة الإرهاب وتأمين المحافظات الجنوبية، ما عزز من شرعيته الشعبية وقدرته على إدارة الأرض.
الملف الجنوبي : من التهميش إلى الشراكة :
لطالما عانى الجنوب من التهميش السياسي والاقتصادي، لكن بروز المجلس الانتقالي الجنوبي كقوة منظمة وفاعلة غيّر المعادلة.
فالاتفاقيات السياسية، وعلى رأسها "اتفاق الرياض"، جاءت اعترافًا بدور الانتقالي كشريك لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية قادمة.
صراع النفوذ في الشرق :
التنافس على حضرموت والمهرة كشف عن صراع خفي بين الرياض وأبوظبي للسيطرة على الموانئ والمنافذ البرية. في هذا السياق، يطالب الجنوبيون بإدارة مواردهم ومنافذهم بما يخدم تنمية مناطقهم، بعيدًا عن الوصاية المركزية التي أثبتت فشلها لعقود.
ثانيًا: مظاهر الانهيار :
تفكك التنسيق العسكري:
غياب غرفة عمليات موحدة وتكرار الاشتباكات بين القوات المدعومة من الطرفين يعكس انهيارًا فعليًا في بنية التحالف.
حرب إعلامية صامتة:
تبادل الاتهامات والتسريبات الإعلامية بين الرياض وأبوظبي زاد من حدة التوتر، وأضعف صورة التحالف أمام الداخل اليمني والمجتمع الدولي.
تراجع الدعم اللوجستي:
تقليص الدعم للفصائل الميدانية، خاصة في الجنوب، أضعف من قدرتها على مواجهة التحديات الأمنية، رغم أن المجلس الانتقالي استطاع الحفاظ على تماسك قواته ومؤسساته.
ثالثًا: الجنوب في قلب المعادلة الجديدة :
المجلس الانتقالي الجنوبي: شريك لا يمكن تجاوزه :
أثبت المجلس الانتقالي الجنوبي أنه ليس مجرد فصيل سياسي، بل كيان يمتلك شرعية شعبية وقوة عسكرية منظمة، وإدارة مدنية فاعلة في محافظات الجنوب. وقدّم نموذجًا للاستقرار في بيئة مضطربة، ما يجعله طرفًا أساسيًا في أي حل سياسي مستقبلي.
الجنوب بين الاستقلال والاستقرار :
رغم تمسك المجلس الانتقالي بخيار استعادة الدولة الجنوبية، إلا أنه أبدى مرونة سياسية في التعامل مع التحالفات الإقليمية والدولية، وشارك في مشاورات الرياض ومفاوضات السلام، ما يعكس نضجًا سياسيًا وحرصًا على تحقيق تطلعات الشعب الجنوبي ضمن إطار سلمي.
الأمن والتنمية: أولوية جنوبية:
ركزت قيادة الجنوب على مكافحة الإرهاب، تأمين المدن، وتفعيل مؤسسات الدولة، في وقت عجزت فيه الحكومة المركزية عن تقديم نموذج مماثل في مناطق سيطرتها. هذا الأداء عزز من ثقة المواطنين في مشروع الدولة الجنوبية.
رابعًا: التداعيات الإقليمية والدولية:
تعزيز موقع الحوثيين:
الانقسام داخل التحالف أتاح للحوثيين فرصة لإعادة التموضع والتوسع، خاصة في ظل غياب جبهة موحدة.
تمدد النفوذ الإيراني: إيران استغلت هذا الانقسام لتعزيز دعمها للحوثيين، ما يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن الخليج.
تآكل الثقة الدولية: المجتمع الدولي بات ينظر إلى التحالف ككيان غير منسجم، ما يضعف موقفه التفاوضي، ويعزز من فرص الحلول البديلة التي تراعي واقع القوى الفاعلة على الأرض، ومنها المجلس الانتقالي الجنوبي.
خامسًا: السيناريوهات المستقبلية :
تفكك رسمي للتحالف: استمرار التصعيد قد يؤدي إلى انسحاب أحد الأطراف، ما يعيد رسم خارطة التحالفات داخل اليمن.
إعادة هيكلة التحالف: قد تسعى السعودية إلى بناء تحالف جديد يضم أطرافًا يمنية فاعلة، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، مع تقليص دور الإمارات أو إعادة تعريفه.
تدويل الأزمة: في ظل الانقسام الخليجي، قد تتدخل قوى دولية كروسيا أو الصين لملء الفراغ، ما يعقّد المشهد أكثر، ويجعل الجنوب في موقع تفاوضي أقوى.
الجنوب في موقع القيادة
انهيار تحالف دعم الشرعية لم يعد مجرد احتمال، بل واقع يتجلى في الميدان والسياسة. ومع غياب الرؤية الموحدة وتضارب المصالح الإقليمية، يبرز الجنوب والمجلس الانتقالي الجنوبي كقوة منظمة تمتلك الأرض، وتحظى بتأييد شعبي، وتقدم نموذجًا للاستقرار.
وفي ظل هذا التحول، يبدو أن مستقبل اليمن لن يُرسم إلا بمشاركة الجنوب، لا كطرف تابع، بل كصانع قرار وشريك في صياغة الحل.