الفقر الحقيقي

عرف الناس الفقر على أنه قلة المال، وصار معروفاً لدى معظم الناس ان الفقير هو من ليس لديه مال، وقد يتجاوز مفهوم 
الفقر هذا المعنى، فالفقر عند أهل اللغة : الحاجة ، وهو ضد الغنى ، والفقير  يعنبر مكسور الظهر ، وهذا كناية عن الحمل الثقيل المترتب عليه من قلة المال . 
أما اصطلاحاً فإن الفقير وهو الشخص قليل المال، قال النووي: «الفقير وهو الذي لا مال له ولا كسب، يقع موقعا من حاجته، فالذي لا يقع موقعا، كمن يحتاج عشرة ولا يملك إلا درهمين أو ثلاثة، فلا يسلبه ذلك اسم الفقير. وكذا الدار التي يسكنها، والثوب الذي يلبسه متجملا به، ذكره صاحب التهذيب وغيره.
إذن الفقر هر العوز والحاجه، يقول الله تعالى: ((يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد)) أي أنتم محتاجون إليه في جميع الحركات والسكنات ، وهو الغني عنهم بالذات; ولهذا قال : ( والله هو الغني الحميد ) أي : هو المنفرد بالغنى وحده لا شريك له ، وهو الحميد في جميع ما يفعله ويقوله.
ويؤكد الله أن الحاجة إليه تتضمن الخير، يقول الله سبحانه وتعالى: ((الشيطان يعدكم الفقر ويامركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا واله واسع عليم))، أي أن الشيطان يعد الناس الحرمان مماعند الله من فضل ونعم ويعدهم ما لا ينفعهم وبماهم ليسوا بحاجته ولهذا فوعده لهم هو الفقر ببنما الله يعد الناس المغفرة والفضل وهذا هو ما عند الله وهذا هو ما يحتاجه الناس.
ولقد عرفت المنظمات الدولية الفقر بأنه الحرمان الشديد من الحياة الرضية، والفقر ظاهرة مهمة لتحديد الملامح العامة لأي مجتمع، فتعتبر بالإضافة إلى أنها ظاهرة اقتصادية فهي أيضاً ظاهرة اجتماعية للشعوب والحضارات والمجتمعات لا تخلو منها أي دولة سواء كانت متقدمة أو متخلفة، وهي قضية مألوفة ومتداولة بين افراد المجتمع بكل فئاته. 
والفقر لا يعتبر دليلا على عدم وجود العوامل والقدرات المؤدية إلى التقدم. وإنما هو الافتقار للطرق والوسائل التي بواسطتها يمكن تسخير العوامل والقدرات المتوفرة لتصبح قادرة على خئق النمو والتقدم المنشود. 
ويعد الفقر علة تتفشى في جسد العالم ومرض خبيث يصل الى حد القتل ويفتك ويضرب ويشرد كل كانن بشري يعاني من الفقر ويعمل على تدميره وتحطيمه اقتصاديا واجتماعيا.
يرجع تاريخ ولادة اليوم العالمي للقضاء على الفقر إلى يوم ١٧ أكتوبر من عام ١٩٨٧ م ففي ذلك اليوم اجتمع ما يزيد على مانة ألف شخص تكريما لضحايا الفقر المدقع والفاقة والجوع في ساحة (تروكاديروس) بباريس التي وقع بها الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام ١٩٨٤ حيث تم الاعلان أن الفقر يشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التظافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق، وقد نقشت تلك الأراء على النصب التذكاري الذي رفع عنه الستار في ذلك اليوم.
ومنذ ذلك الحين يتجمع كل عام في نفس اليوم أفراد من شتى المستويات والمعتقدات والاصول الاجتماعية لإعلان التزامهم من جديد إزاء الفقراء وللإعراب عن وقوفهم معهم. 
وبالإضافة للفقر  المادي الشائع بين الناس، انتشرت انواع اخرى من الفقر في المجتمعات، منها الفقر الاجتماعي المرتبط بحاجة الفرد للارتباط بالمجتمع وعدم استطاعته القيام بذلك، وكذلك الفقر الثقافي والفكري والعاطفي والعقائدي وغيرها والتي تعبر جميعها عن الحاجة في مجالات بعينها والافتقار للقدرة على تجاوز الاحتياج لها،  فالإنسان قد يكون  فقيرا وهو لا يدرك ذلك، خصوصا في انواع الفقر المرتبطة بالفكر والعقيدة، وتراه يتصرف بغير واقعه، لهذا ترى البعض ينساق خلف الأمور التي عليها اشتباه ظنا منه أنه غني بتفاصيلها وانه يسير في طريق الصواب، ولكنه في الحقيقة لا يتبع الحق بل العكس والسبب الرئيسي لذلك هو ما يعانيه من نقص وفقر فكري وعقائدي في سلوكه وفيما يسير عليه،  وهذا قد يقود الإنسان إلى نوع اخر من الفقر وهو الفقر السلوكي والأخلاقي. 
ومثال  نشهده كثيراً  هو جدال العلماء وذوي العلم والمعرفة من خلال من ليس لديه علم ولا خلق أو سلوك في الجدال، أو كمن يقاتل الاقوياء وهو يفتقر للقوة، ويكابر في ذلك وهو فقير القدرة، وهذا يؤدي إلى غالباً لعواقب وخيمة.
في الختام فإن الفقير هو شخص ذو حاجة لايستطيع الوصول بها ويعاني من فقر فيها، ومهما تنوع الفقر بأشكاله، فإن الفقر السلوكي والأخلاقي هو أبشع أنواع الفقر حيث يتجرد فيه الإنسان من الإحساس ومن الضمير ويصبح غير قادر على الوصول للمستوى المطلوب في التعامل مع الآخرين بشتى مستوياتهم ومع المواقف باختلاف احداثها،  وأبرز ما يتسبب بسقوط المجتمعات هو  افتقارها للسلوك والأخلاق، وانما الأمم الأخلاق مابقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وللحديث بقية...