قبل أن تبطحنا كورونا

لازالت جائحة كورونا تذيق الدول العظمى مرارة الهزيمة و ( الإنبطاح الحضاري ) حيث أضحت أعداد الحالات المصابة بالمرض تتزايد وفق متتالية هندسية عجز علماء الرياضيات معرفة أسها مثلما عجزت أمبراطوريات المال و القوة و الغطرسة عن فك شفرتها و حل أساليب وقفها .
وفي نفس الوقت لازالت بلادنا محروسة بعناية الله سبحانه و تعالى وليس بحرصنا و اتباعنا للارشادات ، فمجتمعنا لازال يجري مهرولا ً ناحية ( الإنبطاح ) لكورونا مستهتراً بكل الاجراءات التي تسعى لبقائه صامداً واقفاً .

هذا الوضع السائد حالياً ذكرني بحادثة ( انبطاح حقيقية ) طريفة حدثت في بداية ثمانينات القرن المنصرم كانت محور حديث مجتمعنا السيئويني  حينها مثلما هي جائحة كورونا الآن .

كان هناك صديقين من الطرفاء يمتهنان البيع والشراء بطريقة ( المصاقعة ) و يمتازان بالذكاء والفطنة و دائماً ما يوقعان زبائنهما في مقالب البعض منها ثقيل جداً ( ولكن دون غش ) . احدهما يمتلك سيارة لاندروفر ( متهالكة ) . فاراد الثاني ان يفوز بالسيارة بثمن بخس وعرض على زميله شراء السيارة ولكن ليس بنقود و إنما  بالعجم ( نوى التمر ) .
رفيقه وجدها فرصة سانحة للتخلص من السيارة فوافق على الفور ولكن بشرط بسيط جداً .
( نواة واحدة مردوفة العطاء لفترة شهر ) ونال هذا الشرط رضاً تاماً من المشتري .
مردوف العطاء لمدة شهر يعني انه في اليوم الاول نواة واحدة و في الثاني 2 يصبح الاجمالي 3 ، وفي اليوم الثالث يكون 6 فيصبح الاجمالي 9 ، تتضاعف في اليوم الرابع فتكون 18  وهكذا لمدة شهر كامل .
اجتهد المشتري في الحصول على العجم الذي كان يملك منه اصلاً ما يقارب 20 ( كيسا) تملاء مستودع لديه ، واجتهد كل الناس معه في الحساب بالقلم والورقة مستهترين ساخرين من غباء البائع الذي فرط في سيارة مقابل حفنة من العجم  .
في اليوم العشرين و صلت الكمية الى كيس كامل . والمفاجاءة ان المشتري اكتشف ان عليه  في اليوم الخامس والعشرين  دفع كامل المستودع وهذا يعني انه لن يأتي اليوم الثلاثين الا ويكون الاستحقاق 24 مستودع بالاضافة الى ماقبلها من مستودعات  التي بلغت تراكمياً 48 مستوع مليئة بأكياس العجم .
هنا ادرك المشتري ( ومعه كل المجتمع الذي اصبح لا هم له إلا من أين سيكون مصدرالكميات الهائلة من العجم ) أنه وقع في الفخ .
ذهب الى صديقه يسأله فسخ البيعة ، وبشهامة نادرة وافق على الفور شريطة أن ينبطح المشتري  في السوق يوم الجمعة و ( يتشرقحه ) البائع ثلاث مرات بمعني ان يمر من فوقه ثلاث مرات ، وهذا هو الجزاء المتعارف عليه لكل  من يتراجع عن بيعة  . وبعد استعطاف و رجاء لم يقبله البائع رضخ المشتري للشرط  .
وفي يوم الجمعة حضرا معاً الى قلب السوق المزدحم بالمتفرجين المتلهفين لرؤية حالة الإنبطاح .
وقبل ان ينبطح المشتري ظهرت المروءة والنخوة عند صاحبه وصاح ( سامحتك لوجه الله ) .
والان كورونا تتزيد حالاتها يومياً بعشرات الألاف في دول لها صولات و جولات في أذية المستضعفين و بطحهم وتمتلك من القوة والإمكانات ما يفوق خيالنا ،  ونحن لازلنا مستهترين غير مبالين ، بل مهرولين ناحية ساحة الانبطاح لكورونا وحينها لن نجد من يسامحنا .
ولن يحمينا من الموقف المخزي الا اتباع ارشادات الوقاية التي هي من السنة والشريعة أصلاً .

اللهم اهدنا و الطف بنا و اكفنا شر المستهترين  وخزي كورونا .
.