الجمعية الوطنية واجهة حضارية للجنوب الديمقراطي

ما بعد إعلان عدن التاريخي في 4 مايو 2017 ليس كما قبله , فالجنوبيين ينتصرون على أنفسهم بكل التحديات أولا بالنضال السلمي و ثانيآ بالمقاومة العسكرية التي حررت أرضهم من أبشع إحتلال .
والان يؤكدون للعالم ثباتهم وإصرارهم على المضي قدما لتحقيق تطلعاتهم المستقبلية والمشاركة الفعلية بإحلال السلام , حيث أضحت عمليات التحول الديمقراطي في جنوب اليمن واقعا أذهل العالم  بكيفية المشاركة المجتمعية  لصناعة القرار وليكون نموذجا يحتذى به سواء لتأسيس نظرية التحول الديمقراطي في ظل حرب مُدمرة و أوضاع معيشية صعبة ، أو لصياغة رؤى معيارية للكيفية التي ينبغي أن تتطور بها عمليات التحول الديمقراطي بالمنطقة العربية ولما يخدم صناعة السلام . 
ولا يصعب علينا معرفة سبب هذا ، فمما لاشك فيه أن عمليات التحول الديمقراطي في جنوب اليمن كانت أكثر نجاحا من التجارب المعاصرة لها شمالا .
فإذا عدنا بالتاريخ القريب وبالتحديد منتصف القرن الماضي فإن تجربة المجلس التشريعي العدني ماثلة حتى الان في وعي وذهن المجتمع الجنوبي و كذا تجربة مجلس الشعب الأعلى و فاعلية و تأثير القوانين التي نظمت القضاء الجنوبي  بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 67 .
واستنادا لبعض المراجع فان نص المادة (82), من الدستور الصادر في 1978م ؛ على أن  ينتخب مجلس الشعب الأعلى في أول دورة له المحكمة العليا وهي أعلى جهاز قضائي , وتمارس الرقابة على جميع المحاكم , ويحدد القانون مهام صلاحيات ونظام عمل المحكمة العليا .
كما نصت المادة (83) , من نفس الدستور ,على أن يعين  مجلس الشعب الأعلى المدعي العام , و يمارس المدعي العام الرقابة العليا على تنفيذ القوانين من قبل الوزارات و الدوائر المركزية الأخرى و المؤسسات و الهيئات و المنشئات و المكاتب التنفيذية لمجالس الشعب المحلية و المنظمات الاجتماعية و التعاونية و كافة المسؤولين الإداريين والمواطنين .
ونص المادة (122), على أن ينتخب قضاة المحكمة العليا للجمهورية وقضاة محاكم المحافظات والمحاكم الجزئية من قبل مجالس الشعب المعينة وفقاً للدستور والقوانين ويعين قضاة المحاكم العسكرية من قبل هيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى .
ويجوز سحب الثقة من القضاة من قبل المجالس التي انتخبتهم إذا تبين أنهم قد اخلوا بالثقة التي أوليت لهم .
كما نصت المادة (121), يهدف نشاط المحاكم إلى تربية المواطنين  بروح احترام الدستور والقانون , ولا يسمح بتشكيل بمحاكم استثنائية ..والمادة (131),  تنص على أن المدعي العام مسؤول وعرضه للمحاسبة عن أعماله أمام مجلس الشعب .
ولهذا وبعد تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي المفوض شعبيآ أضحت الديمقراطية آمنة جنوبا على الرغم مما اعترضها من عراقيل ومعوقات بسبب تسلط تحالف 94 حينها بطريقة شمولية لتمكين أحزابهم من الحكم بطريقة الانتخابات الهزلية والمعروفة نتائجها مسبقا ولنا بتجربة انتخابات 99 م الرئاسية عندما أعلنت المعارضة وبالأخص  حزب الإصلاح ان مرشحه للرئاسة هو منافسهم اللدود علي عبدالله صالح ، وان على المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده صالح البحث عن مرشح آخر كدليل على متانة تحالف 94 م ضد الجنوبيين ولتأتي فضيحة انتخابات 2006 م و يعلن رئيس التجمع اليمني للإصلاح حينها الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر عن وقوفه خلف المؤتمر و ليدعم علي عبدالله صالح ضد المرشح الجنوبي حينها الفقيد فيصل بن شملان و بمبدأ و نهج واضح مفاده جني شمالي نعرفه خير من إنسي جنوبي ما نعرفه . 
 ولهذا كانت عملية التحول الديمقراطي للجنوبيين أكثر نجاحا و لله الحمد بسبب التفاف الشعب القوي مع قيادته السياسية و خاصية يتفرد الجنوبيين بها و هي  وجود المجتمع المدني المفعم بالنشاط و الحيوية بعموم الجنوب و هي شريحة لا يستهان بها لوعيها و إدراكها لأهمية التخطيط الجيد لرسم معالم سياسة الدولة الجنوبية الديمقراطية مستقبلا  ، ولاسيما تلافي حقبة ما قبل نكبة الوحدة و الادراك العميق بأهمية التحول الديمقراطي للجنوبيين بعد انتهاء عهد الشمولية و الديكتاتورية الحزبية المقيتة .  
كما يؤمن الجنوبيين بأهمية وجود أركان الدولة و الالتزام بمبدأ فصل السلطات الذي هو أحد مظاهر الديمقراطية  و الذي يقوم على ثلاث سلطات تكون مستقلة عن بعضها البعض و بأهمية الجهات التشريعية لوضع التشريع و القوانين التي تجسد إرادة الشعب باعتباره مصدر السلطة ، وتقوم القيادة السياسية للجنوب بتنفيذ هذه القوانين، بينما يتبقى الجانب الأهم بما يختص بالسلطة القضائية الفصل في النزاعات التي تنشأ في كل المجالات.
و لهذا سعت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي دائما لوجوب المشاركة المجتمعية و إبراز أهميه التشريع , و يأتي الحدث الأبرز جنوبا  في يوم السبت الموافق  23 ديسمبر 2017 م حيث انطلقت الجلسة الأولى للجمعية الوطنية  و انتهت بنجاح و باختيار اللواء أحمد سعيد بن بريك كرئيس للجمعية الوطنية و الدكتور أنيس لقمان نائبآ له وتقريبا بحضور وإجماع كامل أعضائها كنتيجة حتمية  لتلك المساعي الجادة باعتبار إن التشريع هو أهم المصادر الرسمية لمن يؤمن بدولة القانون و النظام و لترسيخ فكرة الدولة المدنية و هذا ما يتطلب وفرة في القواعد القانونية التي تحكم بين الناس و بالتشريع إلى أخذ الصدارة باعتباره مصدرا سريعا و واضحا من حيث الوضع و الصياغة يستطيع أن يقوم بالدور المطلوب لتعزيز بنية الدولة الديمقراطية الجنوبية .